تتعدد آليات تعامل الدول العربية مع ضحايا العمليات الإرهابية، سواء من المدنيين أو العسكريين أو الأمنيين، على نحو ما عكسته الخطب الرسمية والممارسات العملية، خلال النصف الأول من عام 2019، وهو ما برز في مسارات متنوعة، دوليًا وإقليميًا ومحليًا، منها تأسيس مجموعة أصدقاء "ضحايا الإرهاب" بالأمم المتحدة، ومناقشة منظمات حقوقية تعويضات ضحايا الإرهاب المدعوم من بعض الأطراف الإقليمية، وتعزيز دور البرلمانات الوطنية في إسماع أصوات الضحايا والناجين من العمليات الإرهابية، واستحداث لجان إسناد التعويضات المالية لضحايا الإرهاب، وإنشاء شبكات لمنظمات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات المعنية بضحايا الإرهاب.
ساحة رئيسية:
تعد دول المنطقة إحدى الساحات الرئيسية لوقوع العمليات الإرهابية في العالم، لدرجة أن هناك تقديرًا سائدًا لدى الأمم المتحدة بأنه في عام 2017 وحده، كان ما يقارب من ثلاثة أرباع الوفيات الناجمة عن الإرهاب في خمسة دول هى: أفغانستان والعراق ونيجيريا والصومال وسوريا، ومازال ضحايا الإرهاب يكافحون من أجل إسماع أصواتهم، ودعم احتياجاتهم، وتأييد حقوقهم، لا سيما أنه يتولد شعور لديهم بأنهم "مُهمَلون" أو "منسيون" بمجرد تلاشي التداعيات الفورية للعمليات الإرهابية.
ويفرض ذلك الوضع على الدول العربية تخصيص موارد والوفاء باحتياجات هؤلاء الضحايا، على مستويات مختلفة، بما يؤدي إلى تجاوز الصدمات التي تعرضوا لها. وفي هذا السياق، تقوم مؤسسات رسمية وأجهزة حكومية في عدة دول عربية بوضع خطط مختلفة لمساعدة أفراد وأسر ضحايا العمليات الإرهابية، لا سيما في ظل الموجة التي اجتاحت المنطقة بعد تحولات عام 2011، عبر تعيين عدد كبير من ذويهم في وظائف حكومية أو تعويضهم بمبالغ مالية معينة أو معالجتهم في المستشفيات والمراكز الصحية أو تخليد ذكراهم عبر إقامة نصب تذكاري لهم.
تجارب مختلفة:
على المستوى الدولي، أعلن الأمير البريطاني هاري دوق ساسكس، في 4 مارس 2019، إنشاء نصب تذكاري لضحايا هجومين داميين وقعا في تونس أحدهما في يونيو 2015، حينما قتل مسلح 30 بريطانيًا و8 آخرين في هجوم بمنتجع سوسة، والآخر قبل ذلك بثلاثة أشهر، حيث كان بريطاني آخر ضمن 21 ضحية لهجوم نفذه إرهابيون على المتحف الوطني في تونس. وقد شارك 300 ضيف، منهم عائلات الضحايا، في افتتاح النصب التذكاري في منتزه كانون هيل بارك في برمنجهام بوسط بريطانيا. وقال الأمير هاري: "إحياءً لذكرى كل من فقدوا حياتهم، وإلى كل العائلات التي غيرت تلك الأحداث حياتها إلى الأبد، أود تقديم أسمى آيات الاحترام لكم وإهداء هذا النصب رسميًا تخليدًا لذكرى أحبائكم".
وعلى المستوى العربي، تحيي الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في 22 إبريل من كل عام، اليوم العربي للتوعية بآلام ومآسي ضحايا الأعمال الإرهابية في المنطقة العربية، وذلك في إطار الاهتمام البالغ الذي توليه منظومة العمل العربي المشترك لدحر التنظيمات الإرهابية، وحرصًا منها على الإسهام في التوعية بمآسي وآلام المتضررين من الجرائم الإرهابية في المنطقة العربية وحجم المعاناة الذي يلحقها الإرهاب بالعائلات والأسر البريئة. وهناك مطالبات بإنشاء الجامعة العربية صندوق لتعويض ضحايا العمليات الإرهابية.
وفي هذا السياق، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال لقائه طلابًا جامعيين تونسيين في مقر كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية، في 1 إبريل 2019، أن "هناك ثلاثة تحديات رئيسية تواجه العالم وهى زيادة انعدام المساواة، وتغير المناخ، وتضاعف الصراعات المترابطة ببعضها والمرتبطة بظاهرة الإرهاب الدولي"، لافتًا النظر إلى أن "40 % من سكان العالم العربي يعيشون في مناطق الأزمات، كما أن العرب يمثلون 40 % من النازحين وأكثر من 50 % من اللاجئين، و68 % من ضحايا الإرهاب".
أدوار متعددة:
وقد تعددت الأدوار التي قامت بها الدول العربية، بدرجات متفاوتة، للتعامل مع ملف ضحايا الإرهاب، في النصف الأول من عام 2019، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- تأسيس مجموعة أصدقاء "ضحايا الإرهاب" بالأمم المتحدة: انخرطت بعثة مصر لدى الأمم المتحدة في نيويورك خلال الأشهر الماضية في الجهود والمشاورات التي من شأنها تقديم الدعم والترويج لضرورة حماية حقوق ضحايا الإرهاب، لا سيما في ضوء المقاربة الشاملة التي تتبعها مصر في التعامل مع ملف الإرهاب بمختلف أبعاده سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، وخاصة العمل على محاسبة الإرهابيين وتقديمهم للعدالة وتجنب إفلاتهم من العقاب، والتصدي للأيديولوجيات المرتبطة به.
وفي هذا السياق، أكد السفير محمد إدريس مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، في الاجتماع المخصص لإطلاق هذه المجموعة والإعلان عن بدء أعمالها في 26 يونيو 2019، بمشاركة كل من أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، وفلاديمير فورونكوف وكيل الأمين العام رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، على "ضرورة الاهتمام بضحايا الإرهاب وذويهم"، مشددًا على أهمية "عدم تجاهل تضحياتهم، فضلاً عن ضرورة تعامل الدول والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره مع حقوق ضحايا الإرهاب كأولوية قصوى".
2- مناقشة منظمات حقوقية تعويضات ضحايا الإرهاب المدعوم من الأطراف الإقليمية: ناقش وفد حقوقي مصري (مكون من ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان وجمعية المرأة والتنمية بالإسكندرية)، في 6 مارس 2019، مسألة تعويض ضحايا العمليات الإرهابية التي تورطت فيها الدوحة في مصر، وخاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013، وهو الدور الذي يعد خرقًا لاستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، والصادرة عام 2006، والتي تنص على التزام قادة العالم بعدم التدخل في سيادة الدول، واحترام سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي والامتناع عن تمويل ودعم الجماعات الإرهابية والميلشيات المسلحة.
وقد جاء ذلك على هامش فعاليات الدورة الـ40 للمجلس الدولي لحقوق الإنسان بمقر الأمم المتحدة بجنيف. ودعا هؤلاء النشطاء المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاك قطر للسيادة الليبية، ومحاولاتها العبث بأمن واستقرار الدول الواقعة في شمال إفريقيا، عبر تقديمها الدعم للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا.
وتجدر الإشارة إلى أن إحدى المحاكم المصرية سوف تنظر، في 18 يوليو الجاري، دعوى قضائية لأسر 5 من شهداء العمليات الإرهابية ضد النظام القطري، لتورطه في دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية، وطالبت الدعوى القضائية الدوحة بدفع مبلغ تعويض قدره 150 مليون دولار لأسر هؤلاء الشهداء، بسبب الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بها.
3- تعزيز دور البرلمانات الوطنية في إسماع أصوات الضحايا والناجين من العمليات الإرهابية: وهو ما أكدت عليه الدكتورة أمل القبيسي رئيسة المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي ورئيسة المجموعة الاستشارية البرلمانية الدولية رفيعة المستوى المعنية بمكافحة الإرهاب والتطرف بشتى الطرق، خلال كلمتها في الجلسة الرئيسية الافتتاحية لـ"المؤتمر الإقليمي للاتحاد البرلماني الدولي والأمم المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" حول "دور البرلمانيين في التصدي لتهديد المقاتلين الإرهابيين الأجانب" الذي عقد في محافظة الأقصر المصرية في 26 فبراير 2019.
فقد أكدت القبيسي على أن "هناك حاجة للتشديد على أهمية تشجيع التضامن الدولي لدعم ضحايا الإرهاب، وتوفير الضمانات لأن تتم معاملة ضحايا الإرهاب بكرامة واحترام، حيث أشارت استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، التي اعتمدت في سبتمبر 2006، إلى أن تجريد الضحايا من إنسانيتهم من الأسباب المؤدية إلى انتشار الإرهاب، وأن مكافحة الإرهاب تستلزم اتخاذ تدابير تعني باحترام كرامة الإنسان وتعلي من سيادة القانون"، مضيفة: "يجب علينا كبرلمانيين أن نضع دائمًا في برامجنا وأجندتنا أصوات الضحايا والناجين من الإرهاب، وألا نكتفي بسماع هذه الأصوات، بل يجب علينا أن نصغي إليها بعناية واهتمام، فنسيان آلام الضحايا بمجرد تلاشي الانفعالات الفورية لأى جريمة إرهابية سيبقى وصمة عار تلاحق المجتمعات".
وقالت القبيسي: "يجب أن نرفع أصوات الشعوب التي تطالب باستمرار بمحاسبة الإرهابيين ومموليهم والمحرضين على الإرهاب ومن يوفر منصات لهم، وإعلان نتائج ذلك. ويجب علينا بموازاة ذلك أن نضمن احترام حقوق الإنسان للضحايا، ونقدم لهم كل الدعم الذي يحتاجون إليه لكي يكونوا قادرين على مواجهة التحديات والمعاناة والآلام". وفي هذا الإطار، أقرت الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في ديسمبر 2017، تحديد يوم 21 أغسطس من كل عام، يومًا عالميًا لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وإجلالهم، من أجل تكريم ودعم ضحايا الإرهاب والناجين منه وتعزيز وحماية تمتعهم الكامل بما لهم من حقوق وحريات.
4- استحداث لجان إسناد التعويضات المالية لضحايا الإرهاب: وهو ما قامت به الحكومة التونسية، في 22 إبريل 2019، عبر تشكيل لجنة مكلفة بالنظر في ملفات إسناد التعويضات والمنافع المخولة لضحايا الاعتداءات الإرهابية لدى الهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية وتحديد تركيبتها وضبط مشمولاتها وطرق سير عملها.
5- إنشاء شبكات لمنظمات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات المعنية بضحايا الإرهاب: حيث تهدف تلك الجمعيات إلى مساعدة ومؤازرة الضحايا وذويهم ونشر كل المعلومات المتعلقة بهم مع تنظيم أنشطة وتظاهرات لتوجيه انتباه الرأى العام لخطورة الإرهاب، وتكريس ثقافة السلم والعمل على بث روح التسامح والانفتاح وترسيخ قيم المواطنة ونبذ كل الخطابات المروجة للفكر الإرهابي والإقصائي.
فقد نظمت الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب، في 17 مايو 2019، وقفة رمزية تخليدًا لذكرى ضحايا هجمات 16 مايو 2003 الإرهابية التي استهدفت عددًا من المواقع بالدار البيضاء، ومنها فنادق ومطاعم ومقبرة يهودية. وقالت رئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب سعاد البكدوري الخمال: "إن هذا التاريخ فرصة مناسبة للدعوة إلى نبذ كل الأفكار المتطرفة التي تحرض على العنف خاصة بين الشباب".
اتجاهات ثلاثة:
خلاصة القول، إن التعامل مع حقوق ضحايا الإرهاب يمثل أحد المسارات الرئيسية للدول العربية في مواجهتها لخطر الإرهاب العابر للحدود، والذي يتوازى مع مسارين آخرين هما التعامل مع العناصر والجماعات والتنظيمات الإرهابية بالجملة وليست بالتجزئة، وكذلك تبني سياسات تحصين المجتمعات من خلال مكافحة التطرف "من المنبع". غير أن هناك تحديات جوهرية تواجه الحكومات في تعاملها مع ملف الضحايا تتعلق بغياب التقديرات المنضبطة بشأنها فضلاً عن التأثيرات النفسية التي تترك أبعادًا داخلية لا يمكن محوها بسهولة.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب بالجزائر فاطمة الزهرة فليسي، في حوارها مع "أصوات مغاربية" في 29 مارس 2018: "إن الجرح الذي تركه الإرهاب الذي واجهته الجزائر خلال العشرية السوداء لم يندمل بعد وأن صفحة المأساة التي عاشتها البلاد طويت لكنها لم تمزق"، موضحة: "إن منظمة ضحايا الإرهاب لا تمتلك إحصاءات دقيقة حول ضحايا المأساة الوطنية، كما أن عدد الضحايا زاد في السنوات الأخيرة، لكن بالعودة إلى الإحصاءات القديمة، فإن عددهم 200 ألف ضحية، من 1992 إلى غاية سنة 2000، إلا أننا لا نستطيع تقدير عدد الضحايا بعد هذه السنة".
يضاف إلى ذلك التباينات بين الدول حول تحديد ضحايا العمليات الإرهابية، وربما دعم بعض الأطراف الإقليمية لبعض الجماعات الإرهابية والميلشيات المسلحة، على نحو ما تشير إليه الحالة السورية. وفي هذا السياق، أكد السكرتير الأول لوفد سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة وائل خليل في بيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 26 يونيو 2019، خلال اعتماد مشروع القرار المعنون بـ"تعزيز التعاون الدولي لمساعدة ضحايا الإرهاب": "إن حماية حقوق ضحايا الإرهاب تبدأ بمعالجة الأسباب الحقيقية والعوامل التي أدت إلى انتشاره كظاهرة عالمية"، موضحًا أن "هناك مسئوليات كبيرة تجاه ضحايا الإرهاب في سوريا وغيرها من دول العالم تتحملها الدول الأعضاء والأمم المتحدة بشكل جماعي"